الخميس، 18 أغسطس 2011

الشعب لا يريد....


الشعب لا يريد....

رابع المستحيلات "ثورة شبابية في العالم العربي"

كتب: مالك حلاوي

أكثر من نصف عام مرَّ على إطلاق الصرخة الأهم في تاريخنا العربي المعاصر وهي صرخة: "الشعب يريد تغيير النظام"....
وما أكثر الأنظمة العربية التي تحتاج إلى تغيير، لا بل ما أقل الأنظمة التي لا تحتاج إلى تغيير...
اليوم وبعد كل هذا الحراك الحاصل على امتداد العالم العربي (ولا يتوهمن أحدٌ انه بمنأى عن هذا الحراك وتداعياته) وبعدما اقتصر التغيير -أقله نظرياً- على نظامين كانا الأكثر رسوخاً وثباتاً في المنطقة هما النظامين التونسي والمصري، لا بد من نظرة تحليلية للنتائج تحاشياً لتغيير وجهة هذا الحراك الشبابي الذي انطلق كثورة شعبية، هدفها الأول نبذ الذل والخنوع المستحكم بحكامنا بما فيه من ارتهان خارجي لأعداء الوطن والأمة الظاهرين والمستترين، ليصل إلى استعادة مفاهيم الحرية الفردية والعامة في مجتمعات باتت هذه المفاهيم (الحريات الفردية بوجه خاص) من رابع المستحيلات فيها، ما ترك آثاره السلبية على المواطن مادياً ومعنوياً، فكان الإذلال والتجويع والتجهيل وخلافه...
أما تغيير الوجهة فيتمثل بدايةً بالعودة إلى محور الارتهان الخارجي، وإعادة تعويم بعض رموز الأنظمة السابقة وتحويلها من أدوات كانت تابعة للحاكم المرتهن، إلى سدَّة الحكم لإدارة دفة الارتهان بطرق وأساليب أخرى... (على سبيل المثال لا الحصر هذا عمرو موسى طارحاً نفسه رئيساً لجمهورية مصر العربية) هذا على الصعيد الخارجي، والذي لم نشهد بعد (إن في تونس أو مصر حيث النجاح النظري للثورتين) أي محاولة فيهما لإلغاء مفاعيل وقرارات الإرتهان، وفي مقدمها اتفاقيات الذل مع العدو، من بيع الغاز إلى الكسر الفعلي والناجز لحصار غزة، مروراً بالعمالة المستترة لهذا العدو...
 أما داخلياً فحدث ولا حرج... ولا ينبغي ألاستهانة بما يتم التحضير له من إمساك جماعات التطرف الديني والمذهبي بزمام الحكم، وما سينتج عنه من إمعانٍ في "التجهيل والتجويع والتخلف عن ركب الحضارة الفعلية والحقيقية"، والكل يرى بأم العين التحالف والتنسيق القائمين اليوم بين هذه الجماعات في هذا البلد أو ذاك من جهة، والتحالف الأمريكي-الأوروبي من جهة أخرى تحت شعار مواجهة محور الشر الجديد (الإيراني السوري) بحيث لم يجد بعض "الإسلاميين" حرجاً في تقديم الوعود بعدم المساس بسلام إسرائيل، وإلغاء الاتفاقيات معها مقابل تسلم السلطة...
إن الشعب الذي: أراد وسعى وأنجز هذه الثورة، لا يريد اليوم أن يقال إنها لم تكن ثورته، بل هي الترجمة الفعلية للمشروع الأمريكي الذي أطلقته غوندوليزا رايس في لبنان تحت عنوان "الفوضى الخلاقة"....
إن هذا الشعب الذي انتظر نصف قرنٍ أو أكثر ليصحو من كبوةٍ فُرضت عليه من زمن "النكبة" إلى زمن الهزيمة أو النكسة وصولاً إلى زمن "العجرفة والعنجهية" لدى العدو، إزاء أنظمة ديكتاتورية بدا واضحاً أنها لم تكن تفعل أكثر من سرقة شعبها ومقدرات أوطانها، هذا الشعب لا يريد أن يصدِّق بأن ما شهده مؤخراً هو مجرد "حمل كاذب" أو ثورات وهمية ستعيده إلى نقطة الصفر أو ما دون، وانه سيترحم على الأنظمة السابقة بكل مساوئها...
إن الشباب العربي الذي أطلق صرخته قد شهد بأم العين أن:
 "إسرائيل" هي "الغول" الذي أوهمونا أنه لا يُهزم فهزم بصرخة "الله أكبر" في جنوب لبنان وبقاعه وفي غزة (رغم اختلال موازين القوى).
 وأن أنظمتنا هي "العنقاء" التي قيل إنها تحلق في الأعالي ولا قدرة لأحد على الإمساك بها، ليتبين أنها مجرد وهم أسقطته صرخة "البوعزيزي" في تونس، وأخوته في مصر والقائمة ستطول....
 وإن "الخل الوفي" المتمثل بأمريكا ومن لف لفها هو الوهم الأكبر، وما الاعتماد عليه إلا من باب التعلق بحبال الهواء، والمثال العراقي هو الأبرز، وهذا "الخل الوفي" سيجعلنا (إذا سرنا في ركابه) نترحم على كل ما هو قديم وسيء قياساً على المستجد الأسوأ...

من هنا فإن هذا الشعب ما عاد يريد مزيداً من "المستحيلات"...
الشعب لا يريد سرقة ثورته.
والشعب لا يريد ديمقراطية ضائعة بين حكم الشعب للشعب، وتفرد أشخاص أو أقليات أو حتى "أكثريات" بمقدرات الوطن والأمة،  تحت ذريعة الخصوصيات المحلية لهذا النظام أو ذاك...
 والشعب (وهذا الأهم) لا يريد حريةً تقف عند حدود ما يراه الحاكم أياً يكن هذا الحاكم.
يكفينا إذن "غول وعنقاء وخل وفي" ولا نريد الاعتراف بوجود مستحيلٍ رابعٍ اسمه "ثورات شبابية في العالم العربي".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق