الاثنين، 2 مايو 2011


تسويق "فيلم مقتل بن لادن" ضرورة غربية

لامتصاص مفاعيل الثورات العربية


كتب: مالك حلاوي

يوم حصلت واقعة 9/11 في الولايات المتحدة الأمريكية أيقظوني من قيلولة الظهيرة ليعلموني بالخبر، ورأيت على وجوه البعض سعادةً بما يحصل، فنحن شعب عانى ما عاناه من استكبار أميركا وجنونها وبطشها. ولكنني كنت الوحيد بين الموجودين، ومنذ اللحظة الأولى قد توجست من هذا الحدث، وقلت لا بد أن نعرف تداعيات هذا الأمر ونترقب الويلات التي سوف يجرها علينا، وبالفعل تبين لاحقاً أن الذي حصل ما هو إلا محطة أخرى من محطات استئثار أمريكا بالقرار العالمي من بوابة الحرب على الإرهاب، سواء كانت أو لم تكن هي (أو حليفتها إسرائيل) من دبَّر أو سهَّل أو تغاضى عن هذه الجريمة، حيث جرى استثمار الواقعة أفضل استثمار في كل أنحاء العالم، والأهم في العالمين العربي والإسلامي، لوضع اليد على اقتصاد العالم، وفي المقدمة النفط من جهة، وحماية إسرائيل من جهة أخرى. وها نحن اليوم نشهد أحد فصول هذا الاستثمار عن طريق الإعلان عن هذه "العملية البطولية" لرامبو الأمريكي في باكستان من أجل المزيد من تسويق هذا "الحارس" القوي لديمقراطيات المنطقة في أحرج الأوقات التي تمر بها هذه المنطقة، وللقول إن من يصل إلى "بن لادن"، الذي كان حتى تاريخه "المتخفي الأول" والمطلوب رقم واحد بالنسبة لأمريكا،  يمكنه الوصول إلى غيره أياً يكن وأنى يكن!!!
لقد تناست أمريكا أو من سيحاول معها استثمار هذه الواقعة أن "بن لادن"هو صنيعتها،  وهو تماماً بمثابة "فرانكشتاين"، الذي جمعت هي أشلاءه وقامت بتوليفه، ورمته على الساحة الإسلامية،  يوم أرادت من خلاله محاربة الروس"الملحدين" على ساحة أفغانستان، وهي على هذا الأساس تدرك جيداً كيف يعمل ويفكر هو ومن هم حوله، وبغض النظر عن حقيقة ما جرى في هذه العملية أو ما خفي منها أو قبلها فالأمر كل الأمر أن مفتاح القضاء على صورته كان بيدها، منذ سقوط "طالبان"، وأن إعلان قتل بن لادن اليوم في أوج الثورات العربية المتحركة، وفي أوج "الثورات المضادة" التي يجري تحريكها، بات بالنسبة للأمريكي أهم بكثير من متابعة استثمار تداعيات واقعة 9/11، واستثمار "حروب بن لادن الإعلانية" على أمريكا وحروبها الإستباقية ضد "الأرهاب" المفترض في بعض الدول العربية والإسلامية.

لقد رأينا ومنذ ثورتي تونس ومصر المجيدتين، هذا اللهاث الأمريكي لإعادة خلط الأوراق واستقطاب هاتين الثورتين، أو على الأقل تقليص خطر خسارتها للنظامين الحليفين في مصر وتونس، تماماً كما يحصل مع بقية الأنظمة الحليفة من ليبيا إلى البحرين، كما رأينا محاولات نقل هذه الثورات عبر ثورات مضادة إلى كلٍّ من سوريا وإيران، عبر استغلال ما هو متيسر من معارضات فعلية وشريفة ومحقة تريد إصلاحاتٍ وديمقراطياتٍ نفتقد إليها بحدود متفاوتة هنا وهناك، وحقنها بـ"معارضات بن لادنية-صُنعت في أمريكا"، كما رأى صناع السياسة الأمريكية أن الغرب يحتاج اليوم إلى حقنة منشطات قوية لسياسته في هذه المنطقة التي تشهد بركاناً من الصحوة الشبابية هذه الصحوة التي، ومهما اختلفت مبرراتها في كل بلد فإن عدوها الأول، منذ سقوط الإتحاد السوفيتي، هو هذا الاستئثار الأمريكي بالقرار العالمي من خلال الإمساك برأس الأنظمة العربية، وما فقدان هذه الأنظمة إلا بمثابة انهيار هذه المنظومة العالمية الجديدة...
خلاصة القول إن إعلان القضاء على بن لادن والاحتفال الأمريكي به على بوابة البيت الأبيض في أول ظاهرة من نوعها هناك، ما هو إلا رسالة لمنطقتنا يجب أن نتلقفها بعكس أهدافها معتبرين أنها مجرد "فيلم أمريكي" من نوع "الأكشن" الذي أجادت هوليوود صناعته وشدتنا إليه، لأنها اعتمدت غالباً على خبرات عالية كان العرب من أهم المساهمين والممولين فيها، وأخفقت واشنطن-البيت الأبيض في تقليده لأنها اعتمدت على خبراء الـCIA ومن خلفهم الموساد وكلاهما لا علاقة له في هذا "الآكشن الفني" وكل مآثرهما تنحصر في صناعة المجازر، من العراق وأفغانستان إلى لبنان، وصناعة الأفلام الهابطة التي شاهدنا عينات منها في العراق "المجندة الأمريكية والمعتقل العاري على سبيل المثال لا الحصر" واليوم هذا الفيلم الرديء الهابط في صورة بن لادن المقتول، وبنسخة باكستانية هذه المرة... !  
إذاً لمن يسأل عن علاقة التوقيت في هذه القضية نقول:
نعم إن تسويق "فيلم مقتل بن لادن" في هذا الوقت بالذات كان ضرورة غربية لامتصاص مفاعيل الثورات العربية، أو على الأقل للتأثير على صانعيها بأن من يحمي هذه الثورات وديمقراطيتها هو هذا الراعي الأمريكي القوي، فاقتضى التنويه!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق