السبت، 19 مارس 2011


8 و14
والسبيل إلى الخلاص

أما آن لهذا التكرار الممجوج في حواراتكم السياسية أن ينتهي؟

أعوام مرت علينا مثقلة بالحوارات السياسية ونشرات الأخبار وعناوين الصحف وتحقيقات المحللين و"تنظيرات المنظِّرين".
 أعوم مثقلة ببرامج "التوك- شو" التي تعالج مجموعة نقاط خلافية مللنا من المناظرات المتكررة حولها، عشرات المرات في اليوم الواحد وعلى عشرات المنابر الإعلامية، ومع عشرات المنظرين من هذا الطرف والعشرات من ذاك الطرف:
آذاريو 14 يقولون: انتهى سلاح المقاومة منذ السابع من أيار حين تم توجيهه للداخل.
وآذاريو 8 يردون: ما حصل في الخامس من أيار هو الذي تسبب في رد السابع من أيار.
آذاريو 14 يقولون: نحن لسنا مع سحب سلاح المقاومة بل نريد أن يكون تحت سلطة الدولة.
وآذاريو 8 يردون: سلاح المقاومة باقٍ طالما لم نتفق على استراتيجية دفاعية.
آذاريو 14 يقولون:قرار الحرب والسلم يجب أن يكون بيد الدولة وليس بيد فريق مذهبي واحد.
وآذاريو 8 يردون: قرار الحرب والسلم كان وما يزال بيد إسرائيل وحدها. 
آذاريو 14 يقولون:فريق 8آذار تتحكم به سوريا وإيران وحزب الله وولاية الفقيه.
وآذاريو 8 يردون: فريق 14 آذار مرتبط بالأمريكي وبالأنظمة العربية التابعة له وفي مقدمها المملكة العربية السعودية.
هذه النقاط الخلافية إذا ما جمعناها ربما تصب في خانة واحدة وهدف واحد وهي برأيي نقطة خلافية واحدة، والرد عليها لا يحتاج لتأويل في حال كان الإنسان عاقلاً وسيد نفسه:
إن انتهاء سلاح المقاومة هو دمار ليس لفريق لبناني واحد بل للبنان، لأننا خبرنا "لبناننا" هذا بدون مقاومة وخبرناه مع مقاومة، لذا من يقول إن سلاح المقاومة قد انتهى دوره، عليه أن يطمئننا إلى عدم زوال لبنان، أو على الأقل عودته إلى كونه متنزهاً للعدو وجيشه... والاطمئنان لا يكون إلا في ظل جيش نريده جميعاً صاحب قرار السلم والحرب والمواجهة والسيطرة في الداخل والخارج، وهذا ليس متاحاً بلا منظومة دفاع جوي تردع إسرائيل وتكون بديلاً عن هذه المقاومة، أما لكل المنظرين لمقولة "وضع إمكانيات المقاومة بتصرف الجيش" فهذه مجرد هرطقة لا يمكن الاستناد إليها لأنها تُضعف الجيش ولا تقويه، إلا بوجود منظومات الجيش الفعلية، من سلاح جو وسلاح بحر وبر، بما يتناسب مع سلاح العدو، ولا نقول يوازي أو يفوق، بل على الأقل بوجود الحد الأدنى من مقومات الجيش الفعلي (رادارات ووسائط دفاعية وطيران) وهذه هي ببساطة ابرز مقومات "الاستراتيجية الدفاعية البديلة" والتي هي بمنتهى الوضوح مسألة صعبة المنال ويواجهها أكثر من "فيتو" وستبقى مستحيلة التطبيق قبل مائتي عام على الأقل..
بناءً عليه يصبح كل من يحلم أو يدفع أو يراهن أو يجيِّش لنهاية المقاومة أخطر من العدو نفسه على مستقبل لبنان.
أما ما حصل في السابع من أيار ( وبغض النظر عن مسبباته في مسألة استهداف سلاح المقاومة عبر استهداف شبكة اتصالاته) فأنا أتمنى أن تقوم كل الوسائل الإعلامية بإعادة بثه في شريط مصور كامل لنرى مدى بشاعته ونحكم على مرتكبي البشاعة فيه...   
أن أبشع مشهدين حصلا في السابع من أيار هما:
مشهد إحراق تلفزيون المستقبل كوسيلة إعلامية يحق لها التعبير عن وجهة نظرها.
ومشهد مجزرة حلبا الشهيرة.
وإذا كنت شخصياً وكإعلامي ممن اشمأزوا كثيراً من مشهد إحراق تلفزيون المستقبل يومها، ولم أتقبل تبريرات "القوميين" كفريق ينضوي تحت لواء الثامن من آذار، بأن ذلك جاء رداً على إحراق مكاتبهم من جماعة "تيار المستقبل"، فإنني وجدت في "مجزرة حلبا" التي لم تتم إدانتها من تلفزيون "المستقبل"، وفي سياسة هذا التلفزيون المعتمدة حتى تاريخه، بكل ما فيها من "تجييش" مذهبي و"فتنوي"، ما يؤكد ضرورة بقائه تلفزيوناً حاضراً وناشطاً لكي يعرف كل من لديه بصر وبصيرة ورؤية  ورويَّة، كم أن هذا الفريق مضلـِّل ومضلَّل في آن، وكم من مبرر يقدمه يومياً لمن يؤمنون بالعنف كي يعيدوا إحراقه بما وبمن فيه بكل أسف!...    
ولأن مجزرة حلبا بلا شك تبقى الأفظع والأشد بشاعة، فمجرد الوقوف عندها وتحليلها يعطينا الانطباع بأنها وحدها كفيلة بتقديم دليل قاطع على طبيعة الأطراف في لبنان، فلو كانت الأدوار معكوسة، أي أن فريق14 الذي ارتكب مناصروه المجزرة كان هو من يمتلك القوة والسلاح، لجاءت نتيجة السابع من أيار بما لا يقل عن مائة ألف قتيل ومليون مهجر، ودولة يحكمها اليوم هذا الفريق عبر ملكٍ أو شيخ أو أمير جماعة...
أما في مسألة التحالفات فتعالوا أولاً نتفق أن الكلام عن دولة سيدة حرة مستقلة بحجم لبنان،  بعيدة عن كل التحالفات الإقليمية والدولية، هو أقل من هراء... والحقيقة التي لا تقبل الشك أننا بالفعل أمام حلفين دوليين:
 الأول تقوده أمريكا ومعها الكثير من دول الغرب ومن العرب.
 والثاني تقوده اليوم إيران وهو قيد التنامي ليشمل بعض قوى التحرر في العالمين الغربي والعربي أيضاً.
 هذه التحالفات الدولية لا يمكن ترجمتها إقليمياً إلا في محورين اثنين: سوري وإسرائيلي، لنصل إلى زبدة الكلام:
اللبنانيون من الآن وحتى تتبدل الموازين الدولية أمام أحد خيارين في مسألة الأحلاف الإقليمية: الخيار الإسرائيلي والخيار السوري، وأي نظرية عدا ذلك هي بمثابة ذر الرماد في العيون..
ونأتي إلى "فزاعة" أخرى انتشرت مؤخراً وتتمثل بما يسمونه "ولاية الفقيه"، والخشية من أن يجرنا المجاهرون بانتمائهم إلى ولاية الفقيه باتجاه حرب مع إسرائيل لمصالح إيرانية فارسية!
هنا نقول إن قرار حربٍ مع إسرائيل لا تقرره إلا إسرائيل (بغطرستها وفي محاولة لإعادة الاعتبار إلى جيشها) أو تغييرات استراتيجية واضحة المعالم تؤكد حتمية هزيمتها وتغيير معالم المنطقة، وهذا الأمر لو حصل بتوجيهات ولاية فقيه، أو بقرار جهادي من الأزهر الشريف أو بأمر فاتيكاني مباشر لإستعادة بيت المقدس (معروف أن كل اللبنانيين المجيشين ضد ولاية الفقيه، يصبون في أحدى هذه التبعيات) فيا مرحبا بهكذا ولاية..
أما الخشية من قيام طرف ما بالدعوة لدولة إسلامية في لبنان، من هذا المذهب أو ذاك،  فهذه مسألة يجب وضعها كفرضية، لكنها غير بعيدة عن الخشية من دعاة الدولة المارونية، التي طالما تم التنظير لها،  والدولتان مرفوضتان بنفس القوة ونفس الخشية ولا يمكن لأحد أن يزايد على الآخر بها... أما الضمانة هنا فهي في الخلاصة التالية:

لقد طفت اليوم على سطح الأحداث في لبنان طبقة لطالما تم تغييب دورها وفاعليتها، وهي مثلي ومثل الكثيرين غيري قد سأمت، لا بل "قرفت"، من هذا الكلام الممجوج، ومن التكرار والعزف تارة على وتيرة طائفية وتارة أخرى على وتيرة مذهبية غرائزية،  ونحن في زمن الثورات العربية التي تقتلع الدكتاتوريات المزمنة، والكل يعلن أنها ثورات تشبهه وتنتمي إليه وينتمي لها، بينما هذه الثورات لا تشبه إلا ثورة شباب لبنان اللاطائفي... وصرخة "الشعب يريد إسقاط النظام الطائفي في لبنان" هي الصرخة الوحيدة البعيدة عن كل الشبهات، وهي وحدها عنوان الخلاص، وهي الضمانة ولو بعد حين.

ملاحظة: الصور مأخوذة من عدة مصادر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق