الجمعة، 15 يوليو 2011

في نظرتنا إلى الثورات العربية الحاصلة
والتي هي قيد الحصول
نعم لسياسة الكيل بمكيالين

كتب: مالك حلاوي.

مع تنامي درجة الخوف الحقيقي والمشروع مما ستؤول إليه أوضاع هذه الثورات العربية المتحركة، من تونس ومصر إلى لبنان، مروراً بالعديد من المحطات الساخنة والباردة في آن، ينبغي علينا جميعاً وضع بعض الضوابط في إطار الممكن والمتاح، إن على صعيد تحركاتنا أو مناصراتنا أو مجرد المتابعة وإبداء الرأي....
فنحن في لبنان نعيش فترة قد يراها البعض حصينة بوجه ما يجري، مع الترويج لنظرية تعاقب السلطات ديمقراطياً عندنا، عكس ما تعيشه المنطقة، متناسين أن المقياس الفعلي لبورصة التحركات لا ولم يستند على أسس واحدة أو محددة، وإلا ما هي  أوضاع الأنظمة الملكية المعمرة منذ عقود من الزمن، ولماذا نراها أكثر اطمئناناً وحصانة بالرغم من هشاشة أوضاعها على أكثر من صعيد....
ولاستيعاب حقيقة ما يجري لا بد أن نعمد إلى تناول الأمور من زاويتين: (داخلية وخارجية).
فعلى الصعيد الداخلي لا يوجد في المنطقة العربية بأسرها جبهة حصينة لناحية التوتر الشعبي، والذي وصل إلى حافة الإنفجار في مختلف القضايا المصيرية، من الهموم الاقتصادية إلى مساحة الحرية والديمقراطية، مروراً بمواكبة العصر والخروج من حالة التخلف المفروضة والمتعمدة لأكثر من سبب...
في هذا الإطار كل الثورات مشروعة ومبررة ومطلوبة، ولا بد أن نساندها في سوريا كما في البحرين والمملكة العربية السعودية، طالما أنها التزمت وتلتزم معيارين تلمسناهما واختبرنا نجاحهما في تونس وفي مصر وهما: النضال السلمي أو الثورة السلمية، والتي وصلت إلى حدود مواجهة عنف السلطة بمزيد من التزام الضوابط والمعايير السلمية والإنسانية إلى حدود الشهادة، بعيداً عن مواجهة العنف بالعنف طالما أن القاتل والمقتول هنا هما من ضحايا هذه التركيبة لأنظمة تجاوزت بغالبيتها حدود الديكتاتوريات المعروفة إلى استحداث أنماط عفنة من الدكتاتوريات، والتي وصل بعضها إلى حدود تأليه الذات .. والمعيار الثاني هو النأي بهذه الثورات والتحركات عن كل التأثيرات الخارجية القريبة والبعيدة... وهنا نصل إلى الزاوية الثانية أو اللازمة الثانية في تعاملنا مع هذه الثورات:
ففي الشق الخارجي من منا لا يعترف، بالرغم من التباين الكبير في نظرتنا للأمور، أن القضية الفلسطينية ما تزال قضية العرب المركزية، وان الحل العادل والنهائي لهذه القضية هو المطلب لاستقرار المنطقة أمنياً واقتصادياً، حتى بالنسبة لمن لا تعنيهم العروبة ومندرجاتها، فهم لا يختلفون معنا في الرأي بضرورة حل هذه القضية، لاستقرار أوضاعهم أو أنظمتهم ومناطقهم ومكتسباتهم وعروشهم، لكن الخلاف بيننا وبينهم يبقى حول الأسلوب...
من هنا يقتضي علينا التعامل في الإطار الخارجي من بوابة الكيل بمكيالين... نعم الكيل بمكيالين في هذه الثورات:
دعم وتشجيع أي ثورة تلتزم بالمعيار الداخلي الذي أشرنا إليه، وتضع في أولوياتها الخارجية مصلحة الأمة فوق كل المصالح الذاتية، وذلك بقياس درجة التزامها بالقضية المركزية المشار إليها عبر السنوات الماضية، لا عبر التصريحات المستحدثة والآنية لزوم "التجييش" أو التضليل، والسنوات الماضية أفرزت لنا الصالح والطالح في هذا الإطار.
ونبذ أو مواجهة "الثورات" التي تعطينا (في الداخل) نموذجاً لحكمها الجديد (في حال تسلمت هي السلطة) هو النموذج الذي ينطلق من مبدأ المكابرة ورفض الحوار ورفض الآخر، وينتهي مجبولاً بدماء أبناء البلد من جنود وعسكريين ومدنيين. والتي تحمل على الصعيد الخارجي منطق "الغاية تبرر الوسيلة" فتتحالف مع إسرائيل جهاراً، أو مواربة عبر أكثر دول ومنظومات حماية إسرائيل وتكريس سيطرتها على المنطقة، وهي ترتدي ثوب العمالة، وإن بوجوهٍ أو أقنعة ٍ تتراوح بين الحداثة والعصرنة وبناء ديمقراطيات جديدة شهدنا نموذجها الأبرز في العراق....
نعم هذان هما المكيالان، ونحن في لبنان إزاء تجربة ما يحدث في سوريا، والكل يترقب انعكاساتها علينا، نقول إن أكذوبة "مناصرة ثورة الشعب السوري" والتعاطف معها وتأمين الدعم اللوجستي لها (بالمال وبالسلاح) إنما هي التزام نفس "الأجندة" الأوروبية الأمريكية بالضغط على سوريا لاتخاذ خيارات هدفها الأول إسقاط مفهوم "المقاومة"، الذي ظل لسنوات في حالة سبات عند الغالبية العظمى من شعوب المنطقة برعاية أنظمتها، وجاءت المقاومة الإسلامية في لبنان لتعيد هذا المفهوم إلى التداول عربياً باعتبارها العملة الوحيدة التي يمكن لإسرائيل التعامل معها بجدية، والهدف البعيد كما أسلفنا ومن وجهة نظر هؤلاء "حماية إسرائيل وتكريس سيطرتها على المنطقة".

 أما راكبوا الموجة محلياً، فبرأيهم أو نظرتهم التي لا تتجاوز حدود أنوفهم، فإن إسقاط سوريا ومعها المقاومة في لبنان هو الباب الوحيد والمتاح لعودتهم إلى السلطة، وهذا ما أوحى به فارس سعيد قبل يومين، كرهانٍ أولٍ وأهم لقوى ما يسمى "الرابع عشر من آذار"، متناسين أن سوريا لا يمكن أن تقوم إلا على مبدأ العداء لإسرائيل مهما تبدلت الأوجه، ولن تتبدل إلا ضمن مفهوم الإصلاحات وتبادل السلطات - حسب الأجندة الداخلية لا الخارجية، وأن المقاومة في لبنان باقية باقية باقية، حتى زوال إسرائيل أو أقله زوال خطرها وسيطرتها على المنطقة...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق